رسالة الى أدهم (1952)

(ادهم اسماعيل)

                                                                               حلب 1952/12/27

"العزيز أدهم:
     تلقيت أمس رسالتك الأخيرة القصيرة وصورتين، سررت بها كثيراً لأنك على ما يبدو في حالة حسنة، ونفسية لا بأس بها. وقد تلقيت أيضاً منذ أيام كتاب "توا أي موا" (Toi et moi) وأشكرك على إرساله على الرغم من أنني قرأته منذ سنوات ومن أنه من الشعر الذي أصبح مبتذلا الى حد ما، لأن جيرالدي شاعر خفيف رغم رقته وارهاف احساساته وتعابيره. أحوالنا هنا جيدة بصورة عامة، إذ إنني من الذين لا يؤثر فيهم تغير البيوت والمدن لأن الشارع والمقهى هما مصيري الأخير.

رسالة الى الحبيبة ع...

                                                                   حلب 1952/13/11
"الحبيبة ع...

    

 ألم يحن بعد أن نتعلم الايمان المطلق بما في جوانحنا من مودة صافية لا يشوبها منطق الآخرين، ووجد كالينبوع الحار لا يعرف الركود ولا النضوب، ووفاء دونه أقدس ما في الوجود؟ ان الافكار هي التي تنشر في نفوسنا بذور الهم والقلق، لانه تريد أن يخضع كل شىء في وجودنا لما هو معقول محدود.

رسالة إلى صديق

                                                                    
    "صديقي...
      ... قضيت البارحة ساعتين مع بتهوفن، السمفونية السابعة والثالثة. اننا بحاجة شديدة إلى إعادة الثقة في نفوسنا وإحياء الأمل والإرادة. لقد شعرت في اللحن الرابع من السابعة أن قلبي جريح، وأنني أحمل فوق ما يحمل البشر جميعاً من آلام، ولكنني مع ذلك كنت أشعر، في ظلمة هذا الألم، انني كان بشري، من مقومات حياته ووجوده، الألم النبيل، وشعرت بقوة خفية تنعش نفسي وتعيد إلى دمي حرارته... وفي الثالثة أسعف نفسي 'اللحن الجنائزي' بآمال هائلة. ان بتهوفن وحده يمثل حقيقة الروح الجرمانية لأنه يبني تصوره من صخور البراكين. أما فاغنر فهو ثرثار جبار يجاهد للوصول إلى حقيقة يرتكز عليها، لكنه لم يصل، ولذلك تصرح نفسه باستمرار.

رسالة إلى أدهم (1954)

ادهم اسماعيل 

        

                                                                   

"العزيز أدهم

   تحيات واشواق حارة
     تلقيت رسالتك منذ أسبوع ولكنني لم استطع الكتابة إليك بسبب الحوادث الأخيرة التي رافقناها في جد وملعنة منذ يدئها إلى نهايتها. وكان أخوك غارقاً في انفعالات لا سبيل الى اقناعها بضرورة الجلوس ساعة مثلاً من أجل الكتابة إليك، وليس ذنبنا اننا من الذين يبحثون دائما عن المتاعب. كما أن الخلاص من الحكم الديكتاتوري لا يقدر بثمن. فقد بلغ سوء الحالة في بلادنا حداً لا يطاق، كان اسوأ ما فيه التنكيل والتعذيب والمطاردة لكل مواطن يصر على أن يبقى شريفاً يكره الاستعمار ويرفض التعاون معه. 

الحب كان لفظة جميلة..

  

وسمة الآغا

"الحب كان لفظة جميلة اطلقها على تعاطف الانسان مع القلوب الطيبة وسعيه للتخفيف من آلام الآخرين. والجمال كان همسات حلوة توشوش بها نسمات الربيع في نضرة الاشجار، وانسيابا رائعا توشي به سحابات الخريف الناصعة زرقة الفضاء البعيدة. الجمال كان وجها مترفا وانوثة مغرية، كان الطبيعة والمرأة"

رسالة الى ع.ع.

معاذ الألوسي

                                                            

هذه هي اللحظة الاولى التي أستطيع ان أمسك بها قلماً لأكتب إليك، وأنا يائس من مقدرتي على إتمام الرسالة للاضطراب الذي يمتلكني وجميع الناس هنا. فلي العذر إن تأخرت في الكتابة إليك. لا تسل يا عبد البر عن الجو الرهيب الرائع الذي كان يسيطر على دمشق منذ أن بدأ الاضراب وسافرت أنت.

أصبح من السهل...

سعيد حدادين

"اصبح من السهل أمس عندما بدأنا بوضع فلسفة للحزب أن تكون غايتنا اثبات وجودنا امام الاعداء، اي ان نتبع 'الجدل' المادي الذي ندعي أننا نكافحه. اننا بحاجة الى 'رجال' تعيش فيهم فكرة ويكونون شكلا لها، وليس الى افراد مجتمع وضيع هجين كهذا الذي نعيش فيه. لا نريد 'شخصيات قوية' تدفعها المركبات الى العمل بل نريد 'فدائيين' ولهذا يزداد حنيني يوما بعد يوم، الى ما كنت عليه من تهور منذ سنوات عندما كنت اؤمن بمجىء اليوم الذي يسجد فيه الناس لفكرة 'العربي سيد القدر' اي الانسان الامثل الذي هو الشكل المطلق للحياة. لا أرض ولا سماء بل 'روح جسدية' و'أرض سماوية'
...الخ وما نفعل اذا كان هذا هو اتجاه الحياة نفسها في مثل هذه المرحلة المظلمة؟"

دمشق، 15 كانون الثاني 1946

لا استطيع الكتابة من دون انفعال خائب

سهيل بدور

"لا أستطيع الكتابة من دون انفعال خائب. الكلمات الجميلة لا تأتي الا في غمرة من دخان أغبر، فتخط اليد من دون وعي أشياء لا تعرف ما تنطوي عليه من جمال وشعر. يحدث ذلك وليل من الكأبة يرهق الصدر، والأحزان تنسكب انسكابا في كل خلية من خلايا الجسد. ولكن اليد مع ذلك ماضية في تسجيل كلمات بسيطة يشؤق فيها فرح غامر".

الطبيعة الانسانية بفطرتها مجموعة من التناقضات لا تستطيع....

محمد ولحاسي

"الا يمكن ان تكون الطبيعة الانسانية بفطرتها مجموعة من التناقضات لا تستطيع الانسجام والصفاء الا في تجربة عنيفة صارخة تطهرها من هذه الشوائب؟ الا يمكن ان يكون الحب وحده هو هذه التجربة؟ وهل من دليل على هذا اكثر من ان الذين عرفوا الحب هم وحدهم الذين يسيرون في طريق مشرقة واضحة ويعيشون بوجه واحد هو الوجه المستغرق في سحر الجمال الذي اسره ويعيشون ايضا بقلب واحد، لا يعرف التردد ولا الكذب ما دام قد باح بحبه؟"

ان قوة قاهرة تدفع الانسان الى...

علي العباني

"ان قوة قاهرة تدفع الانسان الى ان يبحث عن كل ما هو جميل ورائع، في تلك اللحظات الصامتة الحزينة التي يبتعد فيها عن الآخرين، ويتوجه الى ما توحيه اليه الاشياء بالوانها الكابية، من صور واقاصيص. لكن بلادة الناس ما تلبث ان تنتزعنا انتزاعا من ساعات النشوة هذه، فيتحرك في اعماقنا نداء قوي يهيب بنا الى العودة الى عالمهم من اجل تحريرهم، وتحطيم القيود الداخلية التي رست بها نفوسهم. لماذا يألفون الظلام؟ لماذا يكرهون الحرية كما لو انها وباء يسحقهم؟"
(رسائل)

في كل يوم اسأل نفسي مرارا...

توفيق عبد العال

"في كل يوم اسأل نفسي مرارا: ماذا فعلت؟ المشاعر الثائرة لا تكفي. والفكر نفسه، وهو قدر علينا، لا يجدي نفعا، حتى العمل او الاستشهاد في سبيل القضية لا يكفي ايضا. هناك حقيقة واحدة تصرخ ابدا وتلح 'الفجر يجب ان يطلع'... كل ساعة من ساعات الظلام تقول ذلك وتؤمن به. وما دام النور لم يطل بعد، وقد آن اوانه، فنحن الجبناء. اننا ما نزال اضعف من القدر ونستطيع ان امتلك زمامه".

لآن الحياة ثمينة..

ايفيت اشقر

"....لان الحياة ثمينة الى حد يبعث فينا الروعة والخوف، وهي تبدأ من ذلك الداخل الصارخ – غير المظلم – الذي يريدنا باستمرار ان نصنع بايدينا الامتلاء لا ان نمتلكه، ان نشعر بان الارض ابدا مقفرة امامنا، تحتاج الى سواعد تغرس فيها الجنان الوارفة"
(رسائل)

رسالة

".... فقد وردت امس برقية من انطاكية تنعي ابي ولم اكن انتظر هذا النبأ الذي افقدني في لحظة كل ثقة في الحياة.

اما كان يجب ان اراه قبل ان يموت، هو الذي تركته منذ تسع سنوات قويا يتدفق فيه حنان الابوة تدفق الحياة.. ودعني وانا طفل في امس الحاجة الى وجوده، وبكى
، وهمس والدموع تنحدر غزيرة من عينيه، اذهب يا بني ان في بلاد العرب مأوى للعرب، لك ولاخيك، ولهذا النبي الذ مر بيننا ولم نفهمه.. مأوى وراحة.

اما كان يجب ان اراه ثانية، لاحدثه عن المأوى والراحة في بلاد العرب؟ اما كان يجب ان اراه بعد ان كتب الينا رسالته الاولى وقد دعوناه الى الخلاص، فكتب هل تريدون ان اترك قبر جدكم وحيدا؟ اما كان يجب ان نلتقي ايضا عندما داهمه المرض فكتب: ان املي بالمستقبل يقوى يوما بعد يوم، شقوا طريق الحياة بانفسكم ولا تخافوا الفقر..

ثم انقطعت رسائله  حتى الشهر الماضي، خط مرتعش لا يكاد يفهم: لست مريضا. ان ثقتي بالله قوية، لا بد من اللقاء يا ولدي ولو على حافة القبر..

ولم يكن لقاء بل قبر..

(.....) مر اليومان الماضيان وكانني في حلم، حلم قريب، كانني طفل لا ازال احيا في وطني الاول وكأن سنوات الاغتراب فترة قصيرة"
(رسالة بتاريخ 12 نيسان 1947، المؤلفات الكاملة، الجزء السادس)

في الفن

"الفن وحده هو الجدير بان يلقي شعاعه المقدس في طريق البشر. فالشعراء هم الذين يبدعون الحياة ويبعدون الانسان عن الخضوع لسيطرة الافكار المجردة والمنطق الضيق والتفاهة  العقيمة وكذلك الرسامون والنحاتون والموسيقيون.. ان الفنان وحده هو الذي يستطيع ان يستمد بين الحياة الطليقة عناصر رموزه ومبتدعاته"
(رسائل، المؤلفات الكاملة، الجزء السادس) 

(في الصورة لوحة من أعمال الفنان السوري نعيم اسماعيل شقيق صدقي اسماعيل)