"العزيز أدهم
تحيات واشواق حارة
تلقيت رسالتك منذ أسبوع ولكنني لم استطع الكتابة إليك بسبب الحوادث الأخيرة التي رافقناها في جد وملعنة منذ يدئها إلى نهايتها. وكان أخوك غارقاً في انفعالات لا سبيل الى اقناعها بضرورة الجلوس ساعة مثلاً من أجل الكتابة إليك، وليس ذنبنا اننا من الذين يبحثون دائما عن المتاعب. كما أن الخلاص من الحكم الديكتاتوري لا يقدر بثمن. فقد بلغ سوء الحالة في بلادنا حداً لا يطاق، كان اسوأ ما فيه التنكيل والتعذيب والمطاردة لكل مواطن يصر على أن يبقى شريفاً يكره الاستعمار ويرفض التعاون معه.
وقد كان الانقلاب مغامرة جريئة نجحت بجهود هؤلاء المطاردين، ويتأييد الشعب الذي أهين بشكل لم يعرف له التاريخ مثيلاً. وقد عادت البلاد الى حياة سياسية حرة تعتمد على فكرة التطور الطبيعي في تبديل الأنظمة الاجتماعية، بعد أن أخفقت كل محاولة 'انقلابية' تبناها الجيش وأراد بها 'الطفرة' لأن الظروف الدولية على مما يبدو لا تسمح بأي انقلاب جدي جذري في حياة الشعب. فكيف كان انطباع الحوادث عندكم؟
ما يتعلق بملاحظاتك حول الطبيعة والفنان، أعتقد أن المشكلة هي أعمق من النظرة الموضوعية لعلاقة الكبيعة بالفن. فلا يهم أن يكون الإنسان ابناً للطبيعة أو متمرداً عليها، بمقدار ما يهمنا أن نعرف كيف يتم الخلق الفني، وعندئذ تكون المشكلة: من أين يأتي 'الابداع' في الفن - أي العنصر الجديد الذي يغني الطبيعة او يبدلها - أهو ثمرة للعناصر الطبيعية للفنان (الحواس مثلاً) أم أن هناك فعالية 'روحية' - أي انسانية صرفة - هي التي تهب الأثر الفني اشراقه وسرمديته.
مثلا تقول في رسالتك ان البناء هو سمفونية المادة كما أن الموسيقا هي سمفونية الروح، وكلاهما - اي الموسيقا والبناء - من صنع الفنان. ألا ترى أن المشكلة ان نعرف حقيقة هذا الصنع؟ رأيي المتواضع - كإنسان يحب الفن لا كمتفلسف - هو ان الانسان كائن طليق ينمو دائما نمواً غير معقول - أي لا يرتبط بقوانين الطبيعة ولا بأية قوانين آخرى يستطيع أن يحددها العقل، وليس هذا الانطلاق نتيجة الاعتقاد بان هناك روحاً مجهولة مثلا فينا تملي علينا صور الجمال وتلهمنا الاحساس الفني، بل ان هذا الانطلاق كامن في الحاسة، في الانسان ككائن طبيعي.. وذلك سر ابداعه.انه مادة تحمل عنفوان التجدد الدائم، تحمل لا نهائية الفعل والحركة. والفنان هو الذي يشير الى هذا العنفوان او يجسده. في الرسم مثلا، يعلم الفنان أبصاء الجماهير ان تحس احساسات جديدى أغتى وأكثر امتلاء من التي اعتادوا عليها. فللرسام بصيرة تجاوزت حدود الطبيعة وتلمست طبيعة اخرى اكثر ارهافا وجمالا تجدد بالاحساس الجديد. لذلك كان الاثر الفني هو هذه الطيعة الجديدة وكلما اعتاد الفنان على الحس، على الدم الحار، كان أقرب الى لابداع الحق، وهذا هو سر عظمة سيزان وفان غوخ وغوغان.
لكن قد تسأل ما هو الجانب المبدع من التداعي، ميكيل انج وغيره. انهم ارادوا ان يعطوا الطبيعة حرارة الانسان وحسب، ان يضموها الى مملكة الفعل الانساني، لا اكثرز ان كل مهمتهم فيما يتعلق بالاحساس الفني هي ان يجعلوا البصر انسانيا".
تلقيت رسالتك منذ أسبوع ولكنني لم استطع الكتابة إليك بسبب الحوادث الأخيرة التي رافقناها في جد وملعنة منذ يدئها إلى نهايتها. وكان أخوك غارقاً في انفعالات لا سبيل الى اقناعها بضرورة الجلوس ساعة مثلاً من أجل الكتابة إليك، وليس ذنبنا اننا من الذين يبحثون دائما عن المتاعب. كما أن الخلاص من الحكم الديكتاتوري لا يقدر بثمن. فقد بلغ سوء الحالة في بلادنا حداً لا يطاق، كان اسوأ ما فيه التنكيل والتعذيب والمطاردة لكل مواطن يصر على أن يبقى شريفاً يكره الاستعمار ويرفض التعاون معه.
وقد كان الانقلاب مغامرة جريئة نجحت بجهود هؤلاء المطاردين، ويتأييد الشعب الذي أهين بشكل لم يعرف له التاريخ مثيلاً. وقد عادت البلاد الى حياة سياسية حرة تعتمد على فكرة التطور الطبيعي في تبديل الأنظمة الاجتماعية، بعد أن أخفقت كل محاولة 'انقلابية' تبناها الجيش وأراد بها 'الطفرة' لأن الظروف الدولية على مما يبدو لا تسمح بأي انقلاب جدي جذري في حياة الشعب. فكيف كان انطباع الحوادث عندكم؟
ما يتعلق بملاحظاتك حول الطبيعة والفنان، أعتقد أن المشكلة هي أعمق من النظرة الموضوعية لعلاقة الكبيعة بالفن. فلا يهم أن يكون الإنسان ابناً للطبيعة أو متمرداً عليها، بمقدار ما يهمنا أن نعرف كيف يتم الخلق الفني، وعندئذ تكون المشكلة: من أين يأتي 'الابداع' في الفن - أي العنصر الجديد الذي يغني الطبيعة او يبدلها - أهو ثمرة للعناصر الطبيعية للفنان (الحواس مثلاً) أم أن هناك فعالية 'روحية' - أي انسانية صرفة - هي التي تهب الأثر الفني اشراقه وسرمديته.
مثلا تقول في رسالتك ان البناء هو سمفونية المادة كما أن الموسيقا هي سمفونية الروح، وكلاهما - اي الموسيقا والبناء - من صنع الفنان. ألا ترى أن المشكلة ان نعرف حقيقة هذا الصنع؟ رأيي المتواضع - كإنسان يحب الفن لا كمتفلسف - هو ان الانسان كائن طليق ينمو دائما نمواً غير معقول - أي لا يرتبط بقوانين الطبيعة ولا بأية قوانين آخرى يستطيع أن يحددها العقل، وليس هذا الانطلاق نتيجة الاعتقاد بان هناك روحاً مجهولة مثلا فينا تملي علينا صور الجمال وتلهمنا الاحساس الفني، بل ان هذا الانطلاق كامن في الحاسة، في الانسان ككائن طبيعي.. وذلك سر ابداعه.انه مادة تحمل عنفوان التجدد الدائم، تحمل لا نهائية الفعل والحركة. والفنان هو الذي يشير الى هذا العنفوان او يجسده. في الرسم مثلا، يعلم الفنان أبصاء الجماهير ان تحس احساسات جديدى أغتى وأكثر امتلاء من التي اعتادوا عليها. فللرسام بصيرة تجاوزت حدود الطبيعة وتلمست طبيعة اخرى اكثر ارهافا وجمالا تجدد بالاحساس الجديد. لذلك كان الاثر الفني هو هذه الطيعة الجديدة وكلما اعتاد الفنان على الحس، على الدم الحار، كان أقرب الى لابداع الحق، وهذا هو سر عظمة سيزان وفان غوخ وغوغان.
لكن قد تسأل ما هو الجانب المبدع من التداعي، ميكيل انج وغيره. انهم ارادوا ان يعطوا الطبيعة حرارة الانسان وحسب، ان يضموها الى مملكة الفعل الانساني، لا اكثرز ان كل مهمتهم فيما يتعلق بالاحساس الفني هي ان يجعلوا البصر انسانيا".
حلب 1954/1/3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق