17.1.18

رسالة الى أدهم (1952)

(ادهم اسماعيل)
                                                                               حلب 1952/12/27

"العزيز أدهم:
     تلقيت أمس رسالتك الأخيرة القصيرة وصورتين، سررت بها كثيراً لأنك على ما يبدو في حالة حسنة، ونفسية لا بأس بها. وقد تلقيت أيضاً منذ أيام كتاب "توا أي موا" (Toi et moi) وأشكرك على إرساله على الرغم من أنني قرأته منذ سنوات ومن أنه من الشعر الذي أصبح مبتذلا الى حد ما، لأن جيرالدي شاعر خفيف رغم رقته وارهاف احساساته وتعابيره. أحوالنا هنا جيدة بصورة عامة، إذ إنني من الذين لا يؤثر فيهم تغير البيوت والمدن لأن الشارع والمقهى هما مصيري الأخير.


    المعرض السنوي هنا، لم أره. ولكن علمت أنه كان ضئيلاً وغير فني. وقد أخذ فيه الجائزة الأولى للرسم فاتح المدرس، وللنحت بخاش، زميلاك القديمان. وقد حدثت ضجة هنا حول لوحة فاتح التي كانت منظرا من كفر جنة إذ اتهمه الجعفري بأنه سرقها عن لوحة لرسام فرنسي مجهول نشرها في ال"إيستيماسيون" إذ عمد هذا الأخير إلى تشويه صورة الحدس، ونشر مقالاً في جريدة الفيحاء فيه اللوحتان (المنقولة والاصل وهي كما قال فاتح صورة مشوهة عن المنقولة) ولا تزال المعركة محتدمة بين الفنانين الكبيرين.

     لقد تأخرت كثيراً يا أدهم عن كتابة معلومات عن أحوالك ودروسك، وماذا ترسم أو تفعل. هنا الجميع يسألونني عنك وعن دراستك، فأجيبهم بأشياء من عندي، بأنك أحدثت ضجة في قلب روما بلوحاتك الشرقية ذات الطابع المشرق الحار، فهل هذا صحيح؟ هلاّ قدمت لنا تقريراً مفصلاً بهذا...

     أعيش في حلب في شبه عزلة ولكنني لا أكتب إلا قليلا، وحتى الآن لم أستطع إنهاء فان غوخ لأنني أحاول أن أشير في فصل طويل قد يستغرق ثلث الكتاب الى فلسفته كمتصوف وكوجودي وكداعية الى الالتزام في الفن، أي لكل فنان قضية ميتافيزيقية (وهي الناحية التي كان يختلف فيها عن الانطباعيين في عصره لأنهم كانوا يهتمون بالتعبير فحسب).

     
الأحوال هنا كما هي، سوى أن البرد يشتد. فهل إيطاليا باردة في الشتاء؟ يبدو من الصورتين اللتي أرسلتهما أن الفن الإيطالي الحديث هو جانب من القوة، فهل تعرفت على أحد الرسامين الكبار؟ اكتب لي أشياء مفصلة عن هذا لأنني أسر كثيرا بذلك وأشياء أخرى تتعلق بالجمال.

     لا أعرف لماذا تشغلني بشكل عميق وجارف قضية الحاسة الانسانية الى هذا الحد. اللا نهائي هو الهدف الذي يتوجه إليه الإنسان، والمحور الذي تدور حوله الحياة كلها، وبصورة خاصة الفن. فهل هذا اللا نهائي الذي نسميه تارة جمالاً، وأخرى فناً، وأخرى غبطة، هل هذا اللا نهائي شئ من الخيال والفكر، أم هو ثمرة من تجربة الحاسة، وبكلمة أوضح: الغريزة الانسانية، العصب والدم؟ أميل الى الفكرة الاخيرة، وفان غوخ أروع مثل لها، ولعل هذا هو الذي جعله أعظم فناني العصر لأنه الوحيد الذي استطاع أن يعبر عن قضية العصر، وهي: الحاسة. فما رأيك في هذا الموضوع الأساسي بالنسبة لكل فنان معاصر؟"
  

ليست هناك تعليقات: