هذه
هي اللحظة الاولى التي أستطيع ان أمسك بها قلماً لأكتب إليك، وأنا يائس من مقدرتي
على إتمام الرسالة للاضطراب الذي يمتلكني وجميع الناس هنا. فلي العذر إن تأخرت في
الكتابة إليك. لا تسل يا عبد البر عن الجو الرهيب الرائع الذي كان يسيطر على دمشق
منذ أن بدأ الاضراب وسافرت أنت.
لقد كان الجميع يتوقعون فترة عنيفة خصبة في تاريخ حياتهم، وكنت أشد الناس تحمسا لانني كنت مؤمنا – وانت أيضاً – بضرورة إقدامِ شعبنا على حوادث خارقة، ولكن النتيجة كانت مؤلمة جدا ولا أدري إذا كان هذا الألم الذي يتلو كل ابداع. لقد تألمنا جميعاً لأن ثقتنا بانسانيتنا تزعزعت بعد الوحشية التي لا توصف والتي قام بها الفرنسيون هنا وأجبروا حتى السنغال على ابدائها. ولعلك قرأت بعض التفاصيل في الجرائد، أرجو ان تكون حمص عانت بعض الشىء من هذا (جملة معترضة: "من صخور البراكين تعبد طريق الأمان")... أكتب إليك الآن وأمام عيني – ومنذ وقوع الحادثة – ترتسم صورة الشهيد طيب. إن قصة استشهاده وحدها أعادت الي إيماني كله بامكانيات أمتنا النبيلة وحتى في واقعها. لقد رأيناها قبل الحادثة بيومين أمام البرلمان وكنا مثله دركيين فأدينا له التحية كرئيس. وتحدثنا وكان مدار حديثنا أنه آن لنا أن نكف عن التحدث عن البطولة التي يظهرها غيرنا. قود تحمس أحد أفراد حامية البرلمان فالتمعت عيناه ببريق خاطف وقال: أجلنا بيد الله وليس بيد السنغال. فقال طيب: بل بيدنا.
لقد كان الجميع يتوقعون فترة عنيفة خصبة في تاريخ حياتهم، وكنت أشد الناس تحمسا لانني كنت مؤمنا – وانت أيضاً – بضرورة إقدامِ شعبنا على حوادث خارقة، ولكن النتيجة كانت مؤلمة جدا ولا أدري إذا كان هذا الألم الذي يتلو كل ابداع. لقد تألمنا جميعاً لأن ثقتنا بانسانيتنا تزعزعت بعد الوحشية التي لا توصف والتي قام بها الفرنسيون هنا وأجبروا حتى السنغال على ابدائها. ولعلك قرأت بعض التفاصيل في الجرائد، أرجو ان تكون حمص عانت بعض الشىء من هذا (جملة معترضة: "من صخور البراكين تعبد طريق الأمان")... أكتب إليك الآن وأمام عيني – ومنذ وقوع الحادثة – ترتسم صورة الشهيد طيب. إن قصة استشهاده وحدها أعادت الي إيماني كله بامكانيات أمتنا النبيلة وحتى في واقعها. لقد رأيناها قبل الحادثة بيومين أمام البرلمان وكنا مثله دركيين فأدينا له التحية كرئيس. وتحدثنا وكان مدار حديثنا أنه آن لنا أن نكف عن التحدث عن البطولة التي يظهرها غيرنا. قود تحمس أحد أفراد حامية البرلمان فالتمعت عيناه ببريق خاطف وقال: أجلنا بيد الله وليس بيد السنغال. فقال طيب: بل بيدنا.
وقد
حكى الدركي الذي نجا من معركة البرلمان أنه ألقى خطابا قصيرا عليهم عندما حوصر
البرلمان جعلهم كالنار ولم يستسلم حتى آخر رصاصة من مسدسه ولم يستسلم الا للموت
وقد ثتل ما يزيد على الثلاثين جنديا وحده. وقد زرت في البرلمان الغرفة التي قيل
لنا انه استشهد فيها والدماء لم تجف فيها بعد وسيقام له نصب تذكاري هنا. وقد كتبت
لك ذلك لترسل لنا احدى صوره من اهله او اصدقائه لتنشر في الجرائد هنا وليرسمها أخي
لوحة زيتية... ومن أفظع الحوادث استشهاد الدنور مسلم البارودي الذي حرق بالسيارة
المليئة بالجرحى مع انه كان عليها علما الهلال الاحمر الابيضان. وكذلك ضرب
المستشفى والتمثيل بالمرضى والممرضات. اما السجن والمساجين فلا يعرف احد موتاه من
احيائه والاولون أضعاف أضعاف الآخرين، على أنه من الاكيد أن مساجين الطبقة العليا
بما فيها المدرسة وغرفة الأحداث قد استشهدوا اذا استطعنا أن نعدهم شهداء لا من اجل
وطنهم بل من اجل الضمير الانساني لان الضحايا أخطاء لا بد للانسانية من اقترافها
لتشعر في بعض الاحيان انها لم تزل غير جديرة بصفات الخلود....
دمشق في 7 حزيران 1945
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق