10.8.15

قضية الاديب العربي

طريف سيوفي

     ثمة حقيقة راهنة هي أن الادباء المعاصرين لم ينتجوا بعد إنتاجاً جيداً يضارع روائع الأدب الغربي أو التراث العربي القديم. وهذه الحقيقة التي يعترف بها الجميع هي نقطة البداية في قضية الأدب العربي اليوم. وقد يكون مفيداً ان نتساءل عن أسباب هذه الازمة فنقف امام نواحٍ كثيرة جديرة بالبحث، كافتقاد العبقرية والموهبة، وفقدان الشروط الاجتماعية الملائمة للابداع الفني – كالنقد والجمهور، والحالة المادية، وما إلى ذلك. غير أن المشكلة في جوهرها ترجع إلى تجربة الأديب العربي، إنها أزمة تتعلق بالذين ينتجون أنفسهم قبل أي شىء آخر.
ماذا يريد الاديب؟ ولماذا يكتب؟ وكيف يكتب؟

     فالانتاج الادبي هو تجربة انسانية يريد الاديب بالتعبير عنها ان يقول شيئا جديداً لآبناء أمته وعصره. فذلك وحده هو الذي يبرر له الكتابة. وكان ديستويفسكي يعتبره مبرراً بوجوده بأسره. وبمقدار ما تأخذ هذه التجربة من حياة الاديب ووجوده تكون أبعث على الانتاج الادبي الحي.
     والادباء العرب اليوم لم يرتفعوا الى هذا الصعيد، فما زالت هوة بعيدة تفصل بين ما يحيون وما يكتبون، ويفسر ذلك بصورة واضحة هذا الالحاح الذي يتوجه به الشعب الى الكتاب طالبا التعبير عن حقيقة التجارب الانسانية العنيفة التي يحياها هو ويحياها الكتاب معه، ولا يزال جمهور القراء في الوطن العربي يتطلع الى تراثه القديم والى التراث الغربي ليرى صورة نفسه أو ليتعلم شيئا جديدا عن الحياة الانسانية. وما من أديب عربي معاصر استطاع ان يستقطب نفوس ابناء شعبه او يخط امامهم طريقاً جديدة للحياة.. فالادباء العرب اليوم هم إما ناقلون لتجارب الآخرين من الادباء الكبار وإما مستغرقون في نقل المظاهر السطحية العابرة من التجارب التي يحيونها ويحياها أبناء عصرهم.
     فالتجربة القومية مثلاً هي عصر أصيل في حياة العرب، عبروا عنها تارة برسالة فنية كما في العصر الجاهلي، وتارة برسالة دينية كما في الإسلام، وتارة برسالة حضارية. وكان الانتاج الادبي في جميع مراحل التاريخ العربي صورة فذة لعبقرية شعب استطاع أن يجسد هذه التجربة في عبارة جميلة راسخة تشف عن معناها الانساني. وهذه التجربة نفسها يحياها العرب اليوم فلا يملك الادباء أمامها إلا اللغو العابر. فهم إما ان يندفعوا في التغني بيقظة الشعب ونضاله في سبيل الحرية وأما أن يصوروا بؤسه وشقاءه، دون ان يحسنوا التعبير عما هو أصيل فيه، عن شىء عربي حقاً يحمل وجهة نظر حية في حياته.
      مثال آخر تقدمه تجربة الشاعر العربي المعاصر مع الطبيعة او المرأة. فالانتاج الشعري لم يتعد في التعبير عن هذه التجربة، حدود المشاعر السطحية التي يحياها إنسان معاصر والتي عبر عنها مثلاً ريلكه واليوت وبودلير.
      والى جانب التجربة في قضية الاديب، يقف التساؤل عن التعبير الادبي. كيف يكتب الاديب؟ فالادب العربي هو بطبيعته صياغة فنية ترتبط بطبيعة اللغة العربية التي دلت خلال مراحل التاريخ على خصب وحيوية مبدعة. ولا سبيل لانتاج أدبي فذ إلا في بعث البيان العربي وترويضه على استيعاب تجارب حياتنا المعاصرة في عبارة تعيد الى "الكلمة" العربية حياتها وسحرها.
      وعلى هذا النحو فان قضية الاديب العربي اليوم هي التجربة والكلمة. وكلاهما معاناة داخلية تتعلق بحياة الاديب نفسه، قبل ان تكون مشكلة تتعلق بالشروط الخارجية المحيطة به.
      وما عدا ذلك من التساؤلات فهو مجرد مشاكل زائفة بالنسبة للمرحلة الراهنة التي يمر بها أدبنا: لمن نكتب؟ ولآية غاية؟ وهل يجب ان يكون الادب ملتزما ام حراً؟ وهل الادب من أجل الحياة ام الادب للادب؟ وما إلى ذلك من القضايا التي لا تمت الآن باية صلة إلى الاديب العربي المعاصر.
      إن قضية الاديب العربي هي قبل كل شىء أن يحسن التعبير عن تجارب إنسانية أصيلة، أن يضيف أشياء جديدة إلى تراث أمته الادبي. ونقطة البداية هي أن يعطي إنتاجا جيدا.

(1956)

ليست هناك تعليقات: