"ينعطف نهر العاصي
صوب البحر، في سهول فسيحة مخضرة الابعاد، تمتد من الشمال الى سلسلة نائية من جبال
الامانوس الزرقاء، ترصعها الثلوج طوال العام، وتسوّر الأفق البعيد، في محاذاة
النهر المتعرج، الذي ينحدر في مجراه بين الحقول المنخفضة، حتى يبلغ نهر أنطاكية،
نهاية رحلته في عالم العمران. وعندئذ يطل عليه جبل شامخ كامد الشعاب، موحش
الادغال، تلوح في جنباته الدانية أعمدة قديمة وأسوار مهدمة ومغاور شتى، ما تزال
رغم مظاهرها الكابية تحمل الكثير من ملامح الأزمان السحيقة.
في
سفح هذا الجبل تقوم المدينة التاريخية القديمة، بل تتراكم حظائر الأكواخ الكامدة،
والبيوت العتيقة التي تؤلف المدينة، وتضيع على ضفتي النهر، في متسع ناضر من خضرة
الشجر، يحتضن مياه النهر الرمادية حتى الغرب، حيث ينحسر الأفق الجبلي الأزرق عن
فجوة عارية الفضاء، يذوب فيها المجرى الظليل في مكان غروب الشمس".
(العصاة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق