8.5.15

الوصول الى القمر

القمر للرسام روبير دولوني


 في غمرة الاعجاب والدهشة التي تسيطر على النفوس بعد مغامرة الوصول الى القمر، يستعيد الفكر في كثير من الجد ما يمكن ان ينطوي عليه هذا الانجاز العلمي الخارق من معنى إنساني في مثل هذه المرحلة المقلقة من تاريخ البشر على الأرض.
 إن كفاح الانسان من اجل اكتشاف الطبيعة والسيطرة عليها كان في جميع العصور من أعمق حوافز الابداع بالنسبة للعقل البشري، وعلى الرغم من ان تاريخ هذا الاكتشاف قد اقترن بالكثير من مظاهر الخيال وألون الأساطير، التي تبعد الفكر عن الواقع وتحيطه بهالة من الأوهام، فان نزعة الاسطورة قد أمدت الروح العلمية بالكثير من التصورات التي مهدت لها سبل الاكتشاف. 
وقد اقترنت نزعة الاسطورة بجميع التساؤلات الفلسفية في هذا المجال، وفي طليعة هذه التساؤلات ما يتعلق بالجانب الأخلاقي من مصير الإنسان. وهو تساؤل قديم يبرز على نحو جدي كلما أتيح للانسان أن يعلن عن مقدرته في التحكم بالاشياء وعن إرادته الحرة وتصميمه على تجسيد القيم الأخلاقية التي توازي تقدمه الحضاري.
ان نموذج الانسان "المغامر" الذي يمثله الآن رواد الفضاء هو صورة لنموذج "الفيلسوف" القديم الذي كان يتساءل عن معنى الوجود الانساني على الارض، وصورة لنموذج الشاعر العاطفي الذي كان يستغرقفي جمال الطبيعة ويعتبر كائناتها رموزاً حية لكل ما يوحي بالحب والحنين. ومهما يكن في البحث العلمي من ارتباطٍ بالواقع المادي وتقيدٍ بالعالم كما هو في  ظواهره الملموسة، فان النزعة الى تبديل العلاقات البشرية والشروط الحضارية تبقى أشد جموحاً، ولا سيما أن الواقع الانساني الراهن ما يزال مثقلاً بالتناقضات الأليمة في مجال الحياة الاخلاقية. أمام هذه النزعة، يبدو نضال الشعوب المضطهدة من أجل حياتها وحريتها مغامرةً فذة لا تقل خطورةً عن مغامرات الاكتشاف العلمي، ويبدو الإلهام الشعري، الذي ينثر البراءة والحب في النفوس، مظهراً حياً للمجازفة زالعنفوان في حياة الناس مثلما يعتبر تذوق الانسان لكل ما يوحي بنشوة الخيال وسحر الاسطورة في كائنات الطبيعة.
يقول الشاعر الالماني شليغل:
"ها أنذا في وحدة صامتة يرف عليها الحنين المقدس،
وكل ما حولي لون وضياء،
اذكر الحكماء الذين أحبوا الانسانية جمعاء
كما لو أنها الحقيقة الخالدة،
وأرادوا لها السعادة وانطلقوا من أجلها يعملون.
إن وجوههم الحالمة لتبدو لي اليوم غبراء بلون الرماد.
أهو القلق الحائر على مصير الآخرين؟
لماذا الأحلام البعيدة وكل ما حولنا لون صادح ونور بهي؟
كيف تتاح لنا مباهج الحياة،
وفي زوايا العالم أشباح هزال وأصداء أنين،
وفي كثير من الساحات قوافل المظلومين وصيحات المتمردين تقرع
خطاهم صدر الارض الباهتة،

وكلهم حنين الى الآفاق المشرقة تطل بها العوالم البعيدة؟

ليست هناك تعليقات: