24.6.14

عاصفة بعد منتصف الليل

  




علاء بشير
 



     عاصفة بعد منتصف الليل. أطفئت أنوار المدينة فجأة، وكنت في قلب الشارع فخيل إلي انني أسير في عالم آخر أقرب من عالمنا الى السماء. الرياح تزأر في وحشية وضراوة ورشات المطر تنهمر من حين لآخر، في عنف عاصف والغيوم تتلاطم في الفضاء.. والطريق يمتد أمامي إلى أعماق الليل البعيد.

     أين أمضي ان لي بيتاً من الأعاصير، جدرانه الظلام وسقفه الرياح، والموقد خواطري وأحلام حبي. ها هنا مأواي. هنا أريد أن تنظر إلي شمس الصباح بأشعتها الوردية الدافئة. هنا في قلب الشارع، ما من عابر غير الوهم ولا من صوت غير زمجرة العاصفة.. وقطرات المطر الغزيرة تغسل الأرصفة.. وفيض من الشعر يتفجر في أعماق نفسي.. ان الحياة شىء بعيد الغور، ممتلىء بالشباب والفتوة.. ويجب ان نعيش مع العاصفة حينا لكي نعرف عنفوان الشباب.

     ليلة قمراء رائعة الجمال. ذرات الضوء الدافئة تنتفض في كل مكان وتغني. أتنفس في عمق وغبطة، فالربيع في عنفوان. منذ أيام ملأت نفسي حسرات حزينة وكنت أشعر بانهيار وحشي، وكنت أشرب الخمر كثيرا، ولكن نعمة الربيع هبطت علي هذا اليوم، جاءت كما تأتي آلهة جميلة بعينين صافيتين. أتطلع الى السماء في حنان وامتلاء وأشعر بدموع السعادة تنهمر في أعماق نفسي بعداً لحياة الاوهام والى الموت كل ما في تصوراتي عن الحياة، من هموم. في البدء الهم يأتي من الحياد. تقف على الرصيف وتتأمل شيئا يشبه النهاية وتفكر بالأمس. أما صخب اليوم فتبتعد عنه في خوف واضطراب. لن أمد يدي من الرصيف بعد اليوم سأقتحم الموكب الصاخب ولا أفكر بشىء.

     أيها الليل، أيها الجميل كجبهة طفل، الصافي كقلب عاشقة، أحبك وأفتح لك ذراعي وقلبي، هبني الصفاء أبداً!

(نيسان 1954 – أوراق متناثرة)

ليست هناك تعليقات: