![]() |
أدهم اسماعيل |
"حين يتاح للإنسان أن يتمثل المأساة في هذه الصورة الشاملة، صورة القدر المحتم الذي يبسط جناحيه على الجميع، فإن الفاجع يأخذ معناه الإنساني الحق، ويكون حس المأساة حافزا على التزام القضية الإنسانية بأسرها. ومن ثم يكون خاليا من كل انفعال سلبي.
إن الحزن العميق الذي نذعن له بملء إرادتنا هو ثمرته الحقة. وكل انفعال في هذا المجال هو اضطراب طارئ مثقل بالقلق والضياع، دخيل على حس المأساة، لأنه يشير إلى أن المفجوع ما يوال سجيناً في حدود وهمية من أهدافه الخاصة ومصالحه الشخصية. وذلك هو الجانب السطحي الزائف من وعي المأساة. فلا فاجع إلا ما يمس القيم ويمتد فيه السقوط إلى كل المصائر. ولذلك، فإن المواقف السلبية - مهما يكن لها من المبررات - تنطوي على روح بدائية ضيقة. فاحتقارنا للمجرم لا يعني أننا نحس فجيعة الجريمة، وغيظنا على الطاغية وإهانتنا إياه بالحنق والشتيمة لا يدلان على وعينا لمأساة العدالة. با تكون المأساة حين نعي أن السقوط - مهما يكن بسيطا - هو سقوط الجميع. ففي المأساة لا وجود للضحية والمتفرجين بل الجميع يكونون ضحايا ومن ثم يكون الحزن الفاجع.
يقول القدس أوغستين 'كيف يود الإنسان أن يحزن لرؤية المغامرات الأليمة أو الفاجعة، وهو لا يريد أن يقاسي ما فيها من عذاب..'. (1)
ويتفرد هذا الحزن بأنه يمكن أن يستمر ويتأصل في النفس كما تتأصل أقوى العواطف البشرية ولكن في سكينة وهدوء. إنه أشبه بالانسحاب من معركة خاسرة، انسحاب صامت يضع الإنسان أمام حقيقته ويمنحه الفرصة لأن يعيد النظر فيما يستطيع أمام الحياة بعد أن أوغل في تجارب زائفة مثقلة بالغرور.
ذلك أنه انكسر أمام خصم مجهول وهو يعرف أنه لا سبيل إلى المقاومة، ولكن يستعيد كل جدارته حين يختار وحشة الأحزان لأنه يعبر بذلك عن إيمانه العميق بالقيم التي انهارت، أي يأسى من أجل الإنسانية جمعاء"
(1) "الندم والانبعاث" ماكس شيلر (كتاب معنى العذاب ص 79)
"العرب وتجربة المأساة"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق