3.1.18

يوميات


03 كانون الثاني 1960 - منتصف الليل

"الجأ إلى كتابة هذه اليوميات بعد أن شعرت بأنني أصبحت أتحدث إلى نفسي أكثر مما أتحدث الى الآخرين. منذ عامين وأكثر وأنا في عزلة فكرية موحشة على الرغم من أنني أعيش في ضوضاء لا نهاية لها من الاهتمام اليومي بالأشياء والحوادث والناس.

 لكن أحزانا هادئة كانت تنمو في نفسي يوماً بعد يوم وتضفي على كل شئ لوناً باهتاً يشبه التعب أو عدم الاكتراث. لقد أصبحت ضجراً من مجتمعات الناس، سريع السأم من الآخرين حتى يخيل إلي أحيانا أن تبادل الأحاديث هو اسوأ عادات الانسان وأكثرها غباوة وتفاهة. يتحدث الناس عندما يعجزون عن التفكير الواضح ولا يحسنون القيام بعمل مفيد. وما أظن أن في العالم مجتمعاً يضم مثل هذا العدد الوفير من الثرثارين الذين يلوثون فضاء دمشق بعبث الكلام. انهم يكررون الحديث الواحد ألف مرة وتتعب الكلمات ولا يتعبون. أعرف أنني أحاول أن أبرر عزلتي وصمتي، وفي كثير من الأحيان أحس أنني فقدت كل مقدرة على أن أكون محدثاً عادياً على الأقل لا يمله الآخرون. وأستعيد الأيام الماضية في دهشة غريبة. لقد كنت مرحاً كثير الكلام. لا أحسن الاصغاء الى أحد لكثرة ما يزدحم على لساني من لغو الأحاديث. هل الأمر أنني لم أعد أملك شيئا جديراً بأن أقوله للناس؟ ولكنني مع ذلك أحس رغبة شديدة في الحديث الى نفسي. ومن ثم تبدو لي هذه اليوميات شيئاً ضرورياً كالغذاء والهواء. يجب أن تكون للانسان زاوية صغيرة في احدى ساعات الليل، ينتشل فيها الخواطر الدفينة قبل أن تصبح جانباُ من عالمه الداخلي الحزين. 
حيث يكون الصمت تولد الأحزان"
(أوراق متناثرة)

ليست هناك تعليقات: