"من أبرز المآسي في حياة الفكر البشري أن الذين يصنعون التاريخ لا يكتبونه". لقد أورد المؤرخ القديم تاسيت هذه العبارة، وهو في سبيل كتابة الصفحات الأخيرة من حريق روما وما اقترن به من الكوارث التي يعجز عنها الوصف.
وإذا ان ثمة مكان للحديث عن مأساة الفكر هذه في العصر الحديث، فان الأحداث التاريخية الكبرى التي يتعرض لها إنسان "العالم الثالث" يمكن أن تكون مثاراً لآعمق التساؤلات في هذا المجال، وأن تكون فيها نماذج نادرة عن التجارب الإنسانية المريرة التي يحياها بعض البشر في إذعان وصمت، بينما يرويها الآخرون على نحو لا يحتمل التزوير والكذب فحسب، بل يمكن ان تكون الرواية التاريخية مجرد تسلية للقارئ العادي، أو إثارة لمشاعره الانسانية لا تجدي شيئا في معرفة الحقيقة.
وعلى الرغم من أن الصحافة في هذا العصر، ووسائل الاعلام الأخرى، أصبحت تحل محل الرواية التاريخية التي كانت بطيئة الانتشار في الماضي، كثيرة التأثر بالخيال والانفعالات والأهواء الشخصية والآراء الفردية، وعلى الرغم من أن الصحافة المعاصرة تعتبر نموذجاً فذاً لتقصي التفاصيل الجزئية في الحادث واصطياد الجديد في كل مناسبة، فان قول الحقيقة ما يزال مقترناً بأشد الأزمات اضطراباً في الوجدان البشري المعاصر.
فقد مرت عشرات السنين قبل ان يعرف العالم مثلا حقيقة وقائع الحرب العالمية الثانية وما ترتكته من الضحايا، مرت عشرات أخر قبل ان يتبين -- حتى المؤرخون أنفسهم - ما فعله الاستعمار الغربي خلال قرن ونصف القرن من الاحتلال في آسيا وأفريقيا، وما تركه الرجل الغربي "الأبيض" باسم الحضارة واستغلال الثروة الطبيعية، من ملايين الضحايا البشرية، والمجاعة والافساد الخلقي والجهل والانهيار.
إن عصر العلم الذي نعيش فيه وتفخر الحضارة بأنه عصر الموضوعية والحقيقة والاكتشاف المستمر، ما يزال في ارتباك حائر: كيف يميط اللثام عن الأسرار التي يمكن أن تنطوي عليها أبسط واقعة تاريخية معاصرة؟ وذلك هو التناقض الكبير في حياة العصر. إن القليل الذي عرفناه آخيراً عن مأساة بيافرا مثلاً لم يعرف النور إلا بعد ثلاثين شهراً من المجازر المخيفة. والغالب أن أعواماً طوالاً من فضائح الصحافة العالمية سوف تمر، قبل أن يعرف الرأي العام العالمي أيضاً أشياء من التاريخ عن أوليَّات الحقائق حول قضية الأمة العربية في فلسطين، بل عن المآسي المروعة التي تصمد لها مقاومة الجماهير العربية، ويحاول الطغيان أن يسدل عليها ستار الزيف والتمويه.
(1971)
وإذا ان ثمة مكان للحديث عن مأساة الفكر هذه في العصر الحديث، فان الأحداث التاريخية الكبرى التي يتعرض لها إنسان "العالم الثالث" يمكن أن تكون مثاراً لآعمق التساؤلات في هذا المجال، وأن تكون فيها نماذج نادرة عن التجارب الإنسانية المريرة التي يحياها بعض البشر في إذعان وصمت، بينما يرويها الآخرون على نحو لا يحتمل التزوير والكذب فحسب، بل يمكن ان تكون الرواية التاريخية مجرد تسلية للقارئ العادي، أو إثارة لمشاعره الانسانية لا تجدي شيئا في معرفة الحقيقة.
وعلى الرغم من أن الصحافة في هذا العصر، ووسائل الاعلام الأخرى، أصبحت تحل محل الرواية التاريخية التي كانت بطيئة الانتشار في الماضي، كثيرة التأثر بالخيال والانفعالات والأهواء الشخصية والآراء الفردية، وعلى الرغم من أن الصحافة المعاصرة تعتبر نموذجاً فذاً لتقصي التفاصيل الجزئية في الحادث واصطياد الجديد في كل مناسبة، فان قول الحقيقة ما يزال مقترناً بأشد الأزمات اضطراباً في الوجدان البشري المعاصر.
فقد مرت عشرات السنين قبل ان يعرف العالم مثلا حقيقة وقائع الحرب العالمية الثانية وما ترتكته من الضحايا، مرت عشرات أخر قبل ان يتبين -- حتى المؤرخون أنفسهم - ما فعله الاستعمار الغربي خلال قرن ونصف القرن من الاحتلال في آسيا وأفريقيا، وما تركه الرجل الغربي "الأبيض" باسم الحضارة واستغلال الثروة الطبيعية، من ملايين الضحايا البشرية، والمجاعة والافساد الخلقي والجهل والانهيار.
إن عصر العلم الذي نعيش فيه وتفخر الحضارة بأنه عصر الموضوعية والحقيقة والاكتشاف المستمر، ما يزال في ارتباك حائر: كيف يميط اللثام عن الأسرار التي يمكن أن تنطوي عليها أبسط واقعة تاريخية معاصرة؟ وذلك هو التناقض الكبير في حياة العصر. إن القليل الذي عرفناه آخيراً عن مأساة بيافرا مثلاً لم يعرف النور إلا بعد ثلاثين شهراً من المجازر المخيفة. والغالب أن أعواماً طوالاً من فضائح الصحافة العالمية سوف تمر، قبل أن يعرف الرأي العام العالمي أيضاً أشياء من التاريخ عن أوليَّات الحقائق حول قضية الأمة العربية في فلسطين، بل عن المآسي المروعة التي تصمد لها مقاومة الجماهير العربية، ويحاول الطغيان أن يسدل عليها ستار الزيف والتمويه.
(1971)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق